آيات الأحكام في سورة الكهف

سورة الكهف مكية سوى آية  واصبر نفسك ( )
وآيات الأحكام فيها ثلاث. ( )
الآية الأولى :
قوله تعالى :  فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا  ( ).
الورق : الفضّة مضروبة كانت أو غيرها ( )، وفي حملهم له دليل أن التزوّد رأي المتوكلين( )، فلينظر أيّ: أصلها أزكى طعاماً ؛ أحل وأطيب، أو أكثر وأرخص( ) وَلْيَتَلَطَّفْ  وليكلف اللطف في المعاملة حتى لا يُغبن ، أو في التخفي حتى لا يعرف ( ).
واستدل الفقهاء بهذه الآية على شرعية الوكالة( )؛ وهي : لغة التفويض ، وفي الشرع إقامة الوكيل مقام الموكّل في العمل المأذون فيه( )، والأصل فيها الإجماع( )، وأشارت إليها الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة( )، وقد سبقت مباحثها مبسوطة في سورة يوسف  في آية  اذهبوا بقميصي ( ) والله الموفق( ).
الآية الثانية :
قوله تعالى :  وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا () إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ... .  ( ).
أي لا تقولن ـ لأجل شيء تعزم عليه ـ : إني فاعله فيما يستقبل إلا بأن يشاء الله، أي : ملتبساً بمشيئة الله قائلا: إن شاء الله ( )، والنهي تأديب من الله تعالى لنبيه ( )، حيث قالت اليهود لقريش: سلوه عن الروح، وأصحاب الكهف وذي القرنين، فسألوه، فقال : ( ائتوني غداً أخبركم ) ولم يستثن ، فأبطأ عليه الوحي بضعة عشر يوماً ( ).
واستدل الفقهاء بالآية على أن من حلف ، وقال إن شاء الله متصلاً فلا يمين عليه ( ) وعلى نظائرها من المسائل منها :
إذا قال الرجل لامرأته : أنت طالق إن شاء الله لم يقع الطلاق ؛ والسبب هو أنه لما علق وقوع الطلاق على مشيئة الله الطلاق ، ولا يعلم المشيئة إلا إذا عرفنا وقوع الطلاق، ولا نعرف وقوع الطلاق إلا إذا عرفنا وقوع المشيئة فتوقف العلم بكل واحد منها على العلم بالآخر ، وهو دور والدور باطل فلهذا السبب قالوا الطلاق غير واقع ( ).
قوله تعالى :  وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ؛ أي : إذا نسيت كل الأشياء ثم تنبهت عليها فتداركها ( )، واستدل به ابن عباس رضي الله عنهما على أن الاستثناء لا يجب أن يكون متصلاً ( )، وعامة الفقهاء على خلافه ؛ لأنه لو صحّ ذلك لم يتقرر إقرار طلاق ولا عتاق ( ).
يحكى أنه بلغ المنصور أن أبا حنيفة خالف ابن عباس في ذلك واستحضره لينكر عليه فقال له أبو حنيفة : هذا يرجع عليك أنك تأخذ البيعة بالأيمان . أفترضى أن يخرجوا من عندك فيستثنوا فيخرجوا عليك ؟ فاستحسن كلامه ورضي عنه ( ).
قال الإمام الرازي " حاصل هذا الكلام يرجع إلى تخصيص النص بالقياس وفيه ما فيه. والله أعلم ( ).
الآية الثالثة :
قوله تعالى :  أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا  ( ).
قيل : كانت السفينة لعشرة إخوة خمسة منهم زمنى وخمسة منهم يعملون في البحر ( ). قوله  وراءهم  ، أي : أمامهم وقيل خلفهم ( )، وكان طريقهم في رجوعهم عليه وما كان عندهم خبره فأعلم الله به الخضر، واسم الملك الغاصب ( جُلَندا ) ( ).
واستدل به الشافعي وغيره على أن المسكين يطلق على من يملك شيئاً إذا لم يكفه وعلى أن الفقير أسوء حالاً من المسكين ( ) , واستأنس بعض الفقهاء لباب الشركة بهذه الآية( ).